فصل: ومن باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من نام عن صلاة أو نسيها:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى أدركنا الكرى عرَّس وقال لبلال اكلأ لنا الليل فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلالًا، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بلال فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14]».
الكرى النوم وقوله عرس معناه نزل للنوم والاستراحة. والتعريس النزول لغير إقامة، وقوله فزع رسول الله معناه انتبه من نومه يقال أفزعت الرجل من نومه ففزع أي أنبهته فانتبه.
وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عندما استيقظوا حتى اقتادوا رواحلهم ثم توضئوا ثم أقام بلال وصلى بهم. وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله، فقال بعضهم إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا تكون صلاتهم في الوقت المنهي عن الصلاة فيه وذلك أول ما تبزغ الشمس قالوا والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب الرأي. وقال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تقضى الفوائت في كل وقت نهي عن الصلاة فيه أولم ينه عنها. وإنما نهى عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كانت تطوعا وابتداء من قبل الاختيار دون الواجبات فإنها تقضى الفوائت فيها إذا ذكرت أي وقت كان. وروي معنى ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما وهو قول النخعي والشعبي وحمادة وتأولوا أو من تأول منهم القصة في قود الرواحل وتأخير الصلاة على أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابته الغفلة فيه والنسيان.
وقد روي هذا المعنى في هذا الحديث من طريق أبان العطار.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب، عَن أبي هُرَيْرَة وذكر القصة قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة وقال فأمر بلالًا فأذن وأقام وصلى».
قلت: وذكر الأذان في هذه الرواية من طريق أبان عن معمر زيادة وليست في رواية يونس. وقد اختلف أهل العلم في الفوائت هل يؤذن لها أم لا؟ فقال أحمد بن حنبل يؤذن للفائت ويقام له وإليه ذهب أصحاب الرأي.
واختلف قول الشافعي في ذلك فأظهر أقاويله إنه يقام للفوائت ولا يؤذن لها. وقال أبو داود روى هذا الخبر مالك وابن عيينة والأوزاعي عن عبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا ولم يسنده منهم أحد إلاّ الأوزاعي وأبان العطار عن معمر.
قلت: وروى هذا الحديث هشام عن الحسن عن عمران بن حصين فذكر فيه الأذان. ورواه أبو قتادة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الأذان والإقامة والزيادات إذا صحت مقبولة والعمل بها واجب.
وقد يسأل عن هذا فيقال قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» فكيف ذهب عن الوقت ولم يشعر به وقد تأول بعض أهل العلم على أن ذلك خاص في أمر الحدث وذلك أن النائم قد يكون منه الحدث وهو لا يشعر به وليس كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلبه لا ينام حتى لا يشعر بالحدث إذا كان منه.
وقد قيل إن ذلك من أجل أنه يوحى إليه في منامه فلا ينبغي لقلبه أن ينام، فأما معرفة الوقت واثبات رؤية الشمس طالعة فإن ذلك إنما يكون دركه ببصر العين دون القلب فليس فيه مخالفة للحديث الآخر والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن عبد الله بن رباح الأنصاري حدثنا أبو قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له فمال وملت معه فقال انظر فقلت: هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا، يَعني الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلاّ حر الشمس فقاموا فساروا هُنيَّة ثم نزلوا فتوضئوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض قد فرطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت».
قلت: قد ذكر الأذان في هذا الحديث كما ترى وإسناده جيد فهو أولى.
وأما هذه اللفظة وهي قوله ومن الغد للوقت فلا أعلم أحدا من الفقهاء قال بها وجوبًا ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. وقوله ضرب على آذانهم كلمة فصيحة من كلام العرب معناه أنه حجب الصوت والحس عن أن يلجا آذانهم فينتبهوا ومن هذا قوله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} [الكهف: 11].
قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر حدثنا وهب بن جرير حدثنا الأسود بن شيبان حدثنا خالد بن سمير حدثنا أبو قتادة الأنصاري قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وذكر القصة قال فلم يوقظنا إلاّ الشمس طالعة فقمنا وهلين لصلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويدا رويدا حتى تقالت الشمس أو تعالت الشك مني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعها فركعوا ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادوا بالصلاة فنودي بها. فقام فصلى بنا فلما انصرف قال ألا إنا بحمد الله لم نكن في شيء من أمر الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله فأرسلها أنَّى شاء فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها».
قوله: فقمنا وهلين يريد فزعين يقال وهل الرجل يوهل إذا فزع لشيء يصيبه.
وقوله: تقالت الشمس يريد استقلالها في السماء وارتفاعها إن كانت الرواية هكذا وهو في سائر الروايات تعالت ووزنه تفاعلت من العلو، وفى أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بركعتي الفجر قبل الفريضة دليل على أن قوله: «فليصلها إذا ذكرها» ليس على معنى تضييق الوقت فيه وحصره بزمان الذكر حتى لا يعدوه بعينه ولكنه على أن يأتي بها على حسب الإمكان بشرط أن لا يغفلها ولا يتشاغل عنها بغيرها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلاّ ذلك.
قوله: «لا كفارة لها إلاّ ذلك» يريد أنه لا يلزمه في تركها غرم أو كفارة من صدقة أو نحوها كما يلزمه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارة وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئا من نسكه كفارة وجبران من دم وإطعام ونحوه.
وفيه دليل على أن أحدا لا يصلي عن أحد كما يحج عنه وكما يؤدي عنه الديون ونحوها وفيه دليل أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم ونحوه.

.ومن باب في بناء المسجد:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري، عَن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت بتشييد المساجد. قال ابن عباس: لتُزَخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى».
التشييد رفع البناء وتطويله وقوله: «لتُزَخرفُنَّها» معناه لتزيننها، وأصل الزخرف الذهب يريد تمويه المساجد بالذهب ونحوه، ومنه قولهم زخرف الرجل كلامه إذا موهه وزينه بالباطل، والمعنى أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا وتركوا العمل بما في كتبهم يقول فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين وتركتم الإخلاص في العمل وصار أمركم إلى المراياة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم قالا: حَدَّثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن صالح حدثنا نافع عن ابن عمر أن المسجد كان مبنيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن وسقفه بالجريد وعمده خُشُب النخل وغيَّره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة.
العمد السواري يقال عمود وعمد بفتح العين والمين وضمها والقصة شيء شبه الجص وليس به.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث، عَن أبي التيَّاح عن أنس بن مالك قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال: ثامنوني بحائطكم فقالوا. والله لا نطلب ثمنه إلاّ إلى الله. قال أنس: وكان فيه قبور المشركين فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنُبشت» وذكر الحديث.
قلت: فيه من الفقه أن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودماؤهم فإذا نقلت عنها زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة.
وفيه من العلم أنه أباح نبش قبور الكفار عند الحاجة إليه وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه أمر أصحابه بنبش قبر أبي رغال في طريقه إلى الطائف وذكر لهم أنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه فأخرجوه». وفي أمره بنبش قبور المشركين بعدما جعل أربابها تلك البقعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن الأرض التي يدفن فيها الميت باقية على ملك أوليائه. وكذلك ثيابه التي يكفن فيها وأن النباش سارق من حرز في ملك مالك ولو كان موضع القبر وكفن الميت مبقَّى على ملك الميت حتى ينقطع ملك الحي عنه من جميع الوجوه لم يكن يجوز نبشها واستباحتها بغير إذن مالكها.
وفيه دليل أن من لا حرمة لدمه في حياته فلا حرمة لعظامه بعد مماته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كسر عظم المسلم ميتًا ككسره حيًا فكان دلالته أن عظام الكفار بخلافه».

.ومن باب المساجد تبنى في الدور:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطَّيب».
قلت: في هذا حجة لمن رأى أن المكان لا يكون مسجدا حتى يسبّله صاحبه وحتى يصلي الناس فيه جماعة ولو كان الأمر يتم فيه بأن يجعله مسجدا بالتسمية فقط لكان مواضع تلك المساجد في بيوتهم خارجة عن أملاكهم فدل أنه لا يصح أن يكون مسجدًا بنفس التسمية.
وفيه وجه آخر وهو أن الدور يراد بها المحال التي فيها الدور.

.ومن باب الصلاة عند دخول المسجد:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم، عَن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين قبل أن يجلس».
قلت: فيه من الفقه أنه إذا دخل المسجد كان عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس وسواء كان ذلك في جمعة أو غيرها كان الإمام على المنبر أو لم يكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص.
وقد اختلف الناس في هذا فقال بظاهر الحديث الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وإليه ذهب الحسن البصري ومكحول وقالت طائفة إذا كان الإمام على المنبر جلس ولا يصلي. وإليه ذهب ابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والنخعي وأصحاب الرأي وهو قول مالك والثوري.

.ومن باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا حيوة بن شريح قال: سمعت أبا الأسود يقول أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا».
قوله: «ينشد» معناه يطلب يقال نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها وفى رواية أخرى أنه قال لرجل كان ينشد ضالة في المسجد أيها الناشد غيرك الواجد ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد من البيع والشراء ونحو ذلك من أمور معاملات الناس واقتضاء حقوقهم، وقد كره بعض السلف المسألة في المسجد. وكان بعضهم لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد.

.ومن باب كراهية البزاق في المسجد:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان بهذا الحديث وهذا لفظ يحيى بن الفضل حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عُبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال أتينا جابر بن عبد الله وهو في مسجده فقال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا وفي يده عُرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها فحَتَّها بالعرجون ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه فلا يبسُقن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبسُق عن يساره تحت رجله اليسرى فإن عجلت به مادرة فليقل بثوبه هكذا ووضع على فيه ثم دلكه أروني عبيرًا فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخَلوق في راحته فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لطخ به على أثر النخامة قال جابر رضي الله عنه فمن هناك جعلتم الخَلوق في مساجدكم».
العرجون عود كباسة النخل وسمي عرجونا لانعراجه وهو انعطافه وابن طاب اسم لنوع من أنواع التمر منسوب إلى ابن طاب كما نسب سائر ألوان التمر فقيل لون ابن حبيق ولون كذا ولون كذا.
وقوله: «فإن الله قبل وجهه تأويله أن القبلة التي أمره الله عز وجل بالتوجه إليها للصلاة قبل وجهه فليصنها عن النخامة». وفيه إضمار وحذف واختصار كقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] أي حب العجل وكقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82] يريد أهل القرية ومثله في الكلام كثير وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة كما قيل بيت الله وكعبة الله في نحو ذلك من الكلام.
وفيه من الفقه أن النخامة طاهره ولو لم تكن طاهرة لم يكن يأمر المصلي بأن يدلكها بثوبه ولا أعلم خلافا في أن البزاق طاهر إلاّ أن أبا محمد الكُداني حدثني قال: سمعت الساجي يقول كان إبراهيم النخعي يقول البزاق نجس.